Friday, October 23, 2009

جولة يوم واحد في دمشق تؤكد أننا " نستمتع" بالمخالفة!... أي مخالفة!!!!

كثيراً ما نستعمل كلمة "مخالفة" للتعبير عن استيائنا من موقف حصل معنا وكنا المظلومين فيه، جاعلين من هذه الكلمات دليل إدانة نثبت به التهمة على الطرف الآخر، دون التفكير بأننا نرتكب "المخالفات" يومياً، بل أننا اعتدنا بعضها لتحل مكان النظام الأصلي، وتصبح بمثابة قاعدةٍ جديدة فصلناها حسب رغبتنا، وبما يتلاءم مع راحتنا، بغض النظر عن نوع هذه "المخالفات" وحجمها وطريقة ممارستنا لها و حجم الضرر الناتج عنها، و التي تبدأ من عدم التقيد باللباس المدرسي النظامي، انتهاءً إلى أكبر مخالفة لمعمل أو منشأة صناعية قد تسبب أضراراً بالغة، مروراً بالمخالفات المرورية، وعدم التقيد بالمواعيد و نظام العمل...إلخ. وقد نستغرب من أنفسنا أحياناً، أننا نرتكب "المخالفات" ونحن نعيها تماماً، ونعترف بها غالباً، ونقوم بها مع "سابق إصرار و تصميم" في معظم الأوقات، محاولين إبعاد فكرة الضرر و الظلم الذي قد نلحقه بالآخرين من وراء هذه "التجاوزات" "التافهة" في نظر بعضنا، محملين مسؤولية أخطائنا للرقابة النائمة عنا، بمختلف أشكالها، ونجرب "تسكين" ضميرنا بعبارة "يروح يشتكي" و "القانون يأخذ له حقه". أشكالُ كثيرة لـ"المخالفات" اليومية حاولنا رصد بعضها، لعلنا نجد سبباً مقنعاً يفسر لنا عدم "حبنا" للنظام، وسعينا الدائم من أجل الهروب منه أو الالتفاف عليه كلما استطعنا ذلك، و مع ذلك حاولنا السير ليوم واحد في دمشق و مثل كل سكان المدينة لنكتشف عدد من القصص "المخالفة" للقانون حتى بدات كأنها ..طبيعية في حياتنا. نخالف لنكسب الوقت طالما لا أحد يمنعنا لم نجد مكاناً أفضل من جسر المشاة "المهجور" في "الزاهرة" كمثالٍ حي على المخالفات التي يرتكبها الناس أثناء عبورهم الطريق لنبدأ منه قصتنا مع التجاوزات. وعلى بعد مترين من الجسر، لا أكثر، كان "رفيق " وصديقه يقفان على الرصيف وسط الجو البارد استعداداً لعبور الشارع، تاركين جسر المشاة بمفرده، ينتظر أحد المارة ليساعده في أداء مهمته، التي أوجدته قواعد نظام السير من أجلها، لم نستطع التحدث مع صديقه لأنه تمكن من العبور قبل قدوم سيارةٍ مسرعة منعت "رفيق" من اللحاق بالشاب، وأتاحت لنا فرصة سؤاله عن السبب الذي منعه من صعود جسر المشاة و عبور الشارع عن طريقه حسب النظام. أخبرنا "رفيق" ودون تفكير بعد سؤالنا له مباشرةً أنه طالما ليس هناك أحد يخالفه أو يراقبه فلماذا عليه صعود الجسر و إضاعة الوقت؟ وأضاف أن الطريق ليس خطراً جداً في هذه المنطقة و السيارات عادةً لا تكون سرعتها عالية مما يتيح لهم، في أغلب الأوقات، مروراً سليماً، كما أن الرصيف الذي يوجد في منتصف الطريق غير مرتفع و ليس مزروعاً بأكمله لذلك يمكن المرور من فوقه بسهولة، ويعلق قائلاً قبل تركه لنا ليعبر الشارع " لو أن الحكومة وفرت تكاليف هذا الجسر كان أفضل، فوجوده و عدم وجوده واحد، وأنا لم أر أحداً قام بصعوده إلا فيما ندر منذ بنائه". حالة جسر المشاة في "الزاهرة" لا تختلف كثيراً عن نفق المشاة أمام كلية الآداب في اتوستراد المزة، حيث أن ازدحام الطلاب في النفق أمام المكتبات الموجودة فيه، و الذي يصل عددهم إلى المئات، يدفع عددا من الطلاب إلى عبور الاتوستراد قفزاً من فوق الشبك الفاصل بين السيارات الذاهبة و القادمة، حسب ما أخبرتنا "لينا" التي أكدت أنها قامت بعبور الاتوستراد بهذه الطريقة أكثر من مرة حتى تلحق بدوامها في الجامعة بعد أن علقت لأكثر من نصف ساعة في النفق، وأنها أحياناً تضطر إلى ركوب "تاكسي" ينقلها إلى الطرف الآخر من الاتوستراد، وأضافت "لينا" أنها تعلم بأنها تقوم بارتكاب مخالفة و أن الشرطي أمام الكلية قد وبخها مرة لذلك، ولكنها تضطر لمخالفة النظام بسبب عدم وجود نظام في النفق فالحل يكون بفرض نظام داخل النفق ليتم التقيد بالنظام خارجاً. الرشوة طريقة للتهرب من المساءلة بعد أن تركنا "لينا" تابعنا سيراً على اتوستراد المزة ليلفت نظرنا مخالفةُ من نوعٍ آخر، أثناء قيامنا بعبور الشارع بعد إغلاق الإشارة، حيث وقفت معظم السيارات في الصف الأمامي لـ"الرتل" الطويل أمام الإشارة مما منع سائقي تلك السيارات من رؤية تحول لون الإشارة إيذاناً بالتقدم و العبور، وفتح ذلك سيمفونيةً من أصوات الزمامير تطلب من سائقي الصف الأمامي التحرك، كونهم توقفوا بعد الإشارة، و على ممر المشاة تماما، الأمر الذي تغاضى عنه شرطي المرور، و الذي تكرر على أغلب الإشارات على طول الاتوستراد، و الذي يتكرر يومياً آلاف المرات أيضا، حسب ما أخبرنا أبو وليد سائق التاكسي الذي صعدنا معه، إذ رأى أن سبب هذه الظاهرة يعود إلى السرعة العالية،خاصةً على الاتوستراد، و التي قد تمنع بعض السائقين من التوقف في المكان المخصص، وأضاف الرجل بشيءٍ من التهكم أن كلمة "نظام" أصبحت كلمة قديمة، ولم يعد أحد يستخدمها، طالما هناك "رشوة و إكراميات" تدفع لشرطة المرور، فلن يخالف السائق بحياته، وتساءل أبو وليد عن السبب الذي يدفع الناس دائماً لرؤية السائق المخالف فقط، دون الأخذ بعين الاعتبار المواطن الذي يسير في الشارع، و أنه هل حصل و سٌئل هذا المواطن عن السبب الذي يمنعه من العبور من المكان أو المسار المخصص للمشاة. بعد أن وصلنا إلى ساحة الأمويين طلب السائق مبلغ /75/ ل.س أجرة "مشوارنا"، الذي لا يمكن أن يتجاوز الـ/50/ ل.س، و عند سؤالنا عن العداد أجاب أنه لا يملك عدادا، و بعد جدلٍ طويل وتهديدٍ من قبلنا بأننا سنبلغ عنه لأنه "مخالف"، أخذ الرجل /50/ ل.س، و هو على يقين بأننا لن نبلغ عنه، و إننا لم نقم بأخذ رقم سيارته ، مما قد يدفعه لارتكاب المخالفة مرة ثانية و ثالثة، طالما ليس من أحد يرده، أو يوقفه عند حده، خاصةً و أنه قد اعتاد الالتفاف على القانون حسب ما أخبرنا. قررنا بعد الجدل الطويل مع سائق التاكسي عدم صعود تاكسي ثانيةً وأن نستقل " السيرفيس" المحدد التعرفة، سواء كان يملك عداداً أم لم يملك. القيادة على الرصيف و رمي الأوساخ من الشباك أحدثها! تابعنا سيراً باتجاه كلية التجارة لنجد الأرصفة على طول الطريق، ابتداءً من الرصيف أمام المعهد الهندسي وصولاً إلى مفرق التجارة، قد تحولت إلى "باركينج" مجاني لسيارات الطلاب و سكان المنطقة، ليسجل هذا المنظر مخالفةً جديدة في سجل المخالفات التي رصدناها في ساعاتٍ قليلة من يومٍ عادي، ولكن لم تقف المخالفات عند هذا الحد، إذ قام " السيرفيس" الذي ركبناه بالصعود على الرصيف و السير عليه و صولاً إلى "كراجات داريا و جرمانا" في منطقة البرامكة، تداركاً للازدحام الشديد في تلك المنطقة، الأمر الذي قد يعتقده البعض نوعاً من المبالغة، إلا أن هذا يحصل في كثير من الأحيان بالفعل دون أن نعيره أي اهتمام. وأثناء مشوارنا، الذي اعتقدنا أنه الأخير، قام رجل يجلس بجانب الشباك بفتح الشباك و رمي منديل ورقي من خلاله، المشهد الذي يتكرر معنا دائماً أينما ذهبنا، وليس في هذا "السيرفيس" فقط، فطلبنا من الرجل إعطاءنا المنديل لنتخلص منه عند نزولنا، محاولين بذلك إحراجه للتراجع عن فعلته، إلا أنه أصر على فتح الشباك و رمي المنديل ليعرفنا على نفسه بعد ذلك، بأنه محامٍ، وأنه قام برمي المنديل من الشباك، مخالفاً قناعاته حسب ما أخبرنا، لأنه أخذ على نفسه عهد برمي الأوساخ في الشارع بعد أن رأى شرطي مرور، ركب معه مرةً في أحد "السرافيس"، يرمي كأس شاي بلاستيكي كان بيده من الشباك، فقرر منذ ذلك اليوم أن يخالف النظام و قواعد النظافة، التي خالفها من يجب أن يكون القدوة لنا في تطبيق النظام، و أن يعاقبنا إذا خالفناه. لم نعرف إذا ما كان علينا أن نعذر الرجل أم نؤنبه على فعلته وقراره، الذي اتخذه نتيجة رؤية حالةٍ سيئة، و هل كان علينا أن نشرح له أن الاستثناء ليس بقاعدة، لكن رمي فتاة صعدت معنا حديثاً لورقة داخل "السيرفيس" لأن الشباك لم يفتح معها، أكد لنا أن الخلل أصبح فينا جميعاً، و أن ما رآه الرجل لم يكن حالةً استثنائية، بل أنها للأسف أصبحت الثقافة السائدة عند معظمنا. "الإفلات من الرقابة شطارة" لم تنته "المخالفات" التي اعتدناها ولم نعد نشعر أننا نخالف النظام و القانون بقيامنا بها، عند حدود المخالفات المرورية أو القيادة دون عداد ، أو حتى رمي الأوساخ فهناك مخالفات أكبر من ذلك أصبح مرتكبوها يعتبرون قيامهم بها "شطارة" لا مثيل لها، كسائق التاكسي أبو محمد الذي ركبنا معه في حي باب توما، و الذي كان يشغل سيارته على الغاز مع أن ذلك ممنوع، ولم يكتف أبو محمد بهذا فقط بل أنه حين اقترب من شرطي المرور عند الإشارة، أصبح يوقف السيارة و يعيد تشغيلها مع كل نصف متر نتحركه إلى الأمام كل خمس دقائق، بسبب الازدحام، كي لا يشم شرطي المرور رائحة الغاز و يسطر له مخالفة، و أخبرنا الرجل بلهجة "البطل" أنه يقوم بتسيير سيارته على الغاز منذ مدة و لم يستطع أحد من عناصر الشرطة الإمساك به، و أنه يستخدم الغاز لأنه أرخص، و أنه لم يعد يستطيع تحمل نفقات "البنزين"، و لم يعبأ الرجل بحالة الصداع التي انتابتنا نتيجة رائحة الغاز المتسربة، ولم يهتم للتلوث الذي يلحقه بالبيئة، حتى أنه أخذ أجرته كما لو أن سيارته تعمل على "البنزين" دون أي تقدير أو احترام للنظام و القانون. وأثناء روايتنا لما حصدناه من "مخالفاتٍ" يقوم بها الناس في يومٍ واحد، قالت أم ميشيل "متباهية" بأنها تقوم يومياً برش الحارة بالماء مع أنها تعرف أن هذا مخالف، و أن الجيران قد اشتكوا عليها للبلدية أكثر من مرة، ولكنها تعتبر أنها تجنب بعملها هذا الحارة من الغبار، متناسيةً أنها تجعل الحارة مليئة بالطين صيفاً شتاءً، كما أنها تستخدم الماء كوسيلة لتمنع الأطفال من اللعب أمام منزلها. أما ربيع الذي التقيناه في بقاليته في جرمانا رأى أنه قام بمخالفة القانون لا شعورياً عندما بدأ يفرد بضاعته بشكلٍ متواضع على الرصيف أمام المحل، ولكنه عندما لم يتلق أية مخالفة من أي جهة، بدأ بفرد البضاعة علناً، مجبراً الناس على النزول من على الرصيف أمام دكانه، و المرور إلى جانب السيارات. هنا تدخل أحد الزبائن الذي كان عنده ليخبرنا أنه يتضايق كثيراً من البسطات الممتدة على الأرصفة، خاصةً إذا كان يسير مع أطفاله، لأنه سيضطر إلى النزول عن الرصيف و تعريض أطفاله لخطر السيارات، و لكنه اعتاد هذا الأمر، حتى أنه أصبح يحضر نفسه و أطفاله، أثناء السير على الرصيف ليقول لهم ،هنا سننزل، هنا سنصعد هكذا على طول الطريق. "الشكر حفزني على عدم المخالفة" أما رندة، التي كانت تنتقي الفاكهة في المحل، أخبرتنا أنها لم تخالف ولا مرة في حياتها، وأنها في مرة كانت على وشك ارتكاب مخالفة برمي كيس القمامة إلى جانب الحاوية و ليس في داخلها، ولكنها عدلت عن رأيها و وضعت الكيس داخل الحاوية، لتفاجأ بصوت شخص عرفها عن نفسه أنه رئيس البلدية يشكرها على تقيدها بالنظام، و لأنها ترمي القمامة في المكان المخصص لها، فمنذ ذلك الوقت و هي تسير على النظام بكل تفاصيله، لأنها اكتشفت، حسب ما أخبرتنا، أن تطبيق النظام و عدم تطبيقه، يتطلبان الوقت و الجهد ذاته فلماذا نخالف؟. وتتابع السيدة حديثها لتقول لنا "لا تعتقدوا أنني أقول هذا لأنني أتحدث للصحافة، ولكنني بالفعل لا أخالف، و امنع أولادي، بل و أعاقبهم إذا ارتكبوا أي منها، ولكنني أعتقد أن الشكر الذي تلقيته قد أعطاني دفعاً معنوياً كبيراً، وكان له الأثر الأكبر في عدم ارتكابي المخالفات"، وتضيف رندة أن لو معظم المسؤولين في بلادنا قاموا بما فعله معها رئيس البلدية، والذي جاء مروره مؤكد بالصدفة، حسب قولها، لربما كان هذا تشجيع أكبر للمواطنين للتقيد بالنظام، لعل هذا قد يصلح الحالة قليلاً، خاصةً و أن علم النفس يؤكد على أن أثر الثواب أقوى من أثر العقاب، حتى ولو كان هذا الثواب معنوي، مشيرةً إلى أنه ليس من الضرر أن يتم تخصيص جائزة رمزية على مستوى البلدية أو حتى المدرسة، للطالب المثالي، أو المواطن المثالي. بعد مشوار طويل مع المخالفات التي نعيشها يومياً، والتي أصبحت جزءاً منا، ورصدٍ لحالاتٍ لا تعبر سوى عن جزءٍ صغير من الواقع، لم نعد نستطيع التفريق فيما إذا كانت هذه الأمور التي نقوم بها في كافة مجالات حياتنا اليومية، مخالفة للقانون أم تطبيقاً له، كما أننا لم نقدر حصر ارتكابها بثقافةٍ معينة، أو فئة محددة من الناس. ولم نستطيع التوصل إلى معرفة من هو المسؤول عن هذه المخالفات، أو أن نتمكن من تحميل المسؤولية كاملة إلى طرفٍ معين، سواء كان الرقابة الغائبة على كافة الأصعدة، و التي ترتكب هي نفسها الكثير من المخالفات، عن طريق غض النظر أو التراخي في المراقبة، أو أن نحمل المواطن الجزء الأكبر من المسؤولية ، بسبب تراخيه و إهماله، ومحاولته إعلان مخالفته للقواعد و الأنظمة بشكلٍ علني، و التباهي بها، حتى دفع البعض أن يعتقد "أننا شعب هوايتنا مخالفة النظام، و أنه لو كان النظام هو العمل بعكس القواعد و القوانين، لكنا طبقنا القواعد و القوانين بحذافيرها دون أن نعمل بعكسها".


راما الجرمقاني

1 comment:

  1. el nizam ou el kanoun el 7azem m3 el tatbee2 3al kel bdoun estesna2at b3awed el nas
    bjamml tiba3on
    ou by7for el nizam fion
    l2anno kel shi b hal 7yat ta3awod
    leh kel 3adatna say2a
    fina nkhalli el nizam jze2 mn el 3adat el yawmiyeh
    ou l7ta yseer 3adeh
    lazmo kodra 3al tatbi2 ou fared 7alo
    ou hal kodra 3al tatbi2 el nizam btktseb 2oweta mn el mokhalafeh ,,,
    y3ni fi 3amel rade3 ,,,,a2rab shi l 32oulna el la 7dariyeh ou el la akhlakiyeh hiyeh el jebehhhh

    ReplyDelete